3/12/2018 01:03:00 م

زوجتي ... للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وغفر له

اللهم أغفر له وارحمه واسكنه الجنة 

 بسم الله الرحمن الرحيم


يقول الشيخ / علي الطنطاوي رحمه الله :

قال لي صديق، معروف بجمود الفكر، وعبادة العادة، والذعر من كل خروج عليها او تجديد فيها..
قال: اتكتب عن زوجتك في الرساله تقول انها اعقل النساء وافضلهن؟؟
هل سمعت ان احدا كتب عن زوجه؟ ان العرب كانوا يتحاشون التصريح عن ذكرها فيكنون عنها بالشاة او بالنعجة استحياء و تعففا..حتى لقد منع الحياء جريرا..من رثاء زوجه صراحة..
وزيارة قبرها جهرا..ومالك بن الريب لما عد من يبكي عليهن من النساء قال:
فمنهن امي وابنتاها وخالتي وباكية اخرى تهيج البواكيا
فلم يقل وامرأتي..كذلك العهد بآبائنا ومشايخ اهلنا..لم يكن يقول احدهم زوجتي، بل كان يقول اهل البيت او ام الاولاد، الجماعه او الاسرة وغيرها من الكنايات..
أفترغب عن هذا كله، وتدع مايعرف الناس، وتاتي ماينكرون؟؟
قلت :نعم
فكاد يصعق من دهشته مني!!! وقال: اتقول نعم بعد هذا كله؟؟
فقلت: نعم مرة اخرى
أكتب عن زوجتي فأين مكان العيب في ذلك؟ولماذا يكتب المحب عن الحبيبة وهي عشيقته بالحرام؟؟ولايكتب الزوج عن زوجته وهي حبيبته بالحلال؟؟؟
ولماذا لاأذكر الحق من مزاياها لاحبب الناس في الزواج؟؟
والعاشق يصف الباطل من محاسن العشيقة ليحبب المعصية للناس؟؟
ان الناس يقرأون كل يوم المقالات والفصول الطوال في مآسي الزواج وشروره، فلملايقرؤون مقالة واحدة في نعمه وخيراته؟
ولست بعد اكتب عن زوجتي وحدها..ولكني كما يقول هوجو( اني اذ اصف عواطفي ابا..اصف عواطف جميع الاباء..))
لم اسمع زوجا يقول انه مستريح سعيد...وان كان في حيقيته مستريح سعيد، لان الانسان خلق كفورا، لايدرك حقائق النعم الا بعد زوالها، ولانه ركب من الطمع، فلازال كلما أوتي نعمه يطمع في اكثر منها..فلا يقنع بها ولا يعرف لذاتها...لذلك يشكو الازواج ابدا نسائهم...ولايشكر احدهم المرأة الا اذا ماتت..وانقطع حبله منها وامله فيها..هنالك يذكر حسناتها ويعرف فضائلها..

اما انا فاقول من الآن..تحدثا بنعم الله واقرارا بفضله..اني سعيد في زواجي واني مستريح
وقد اعانني على هذه السعادة امور يقدر عليها كل راغب للزواج..طالب للسعادة فيه..فلينتفع بتجاربي من لم يجرب مثلها..وليسمع وصف الطريق من سالكه من لم يسلك بعد هذا الطريق.

اولا: اني لم اخطب من قوم لا أعرفهم، ولم اتزوج من ناس لاصلة بينني وبينهم..فينكشف لي بالمخالطة خلاف ماسمعت عنهم..واعرف من سوء دخيلتهم ماكان يستره حسن ظاهرهم وانما تزوجت من اقارب اعرفهم ويعرفونني، واطلعت على حياتهم في بيتهم، واطلعوا على حياتي في بيتي، اذ رب رجل يشهد له الناس بأنه أفكه الناس،وانه زينة المجالس ونزهة المجامع، وهو ي بيته اثقل الثقلاء، ورب سمح هو في اهله سمج..وكريم هو في اسرته بخيل..يغتر الناس بحلاوة مظهره، فيتجرعون مرارة مخبره.
تزوجت بنتا ابوها ابن عم امي..وهو الاستاذ: صلاح الدين الخطيب شيخ القضاء السوري، المستشار السابق وكاتب العدل الآن، وامها بنت المحدث الاكبر،عالم الشام بالاجماع، الشيخ بدر الدين الحسيني، فهي عريقة الابوين، موصوله النسب من الجهتين..
والثاني: لاني اخترتها من طبقة مثل طبقتنا، فابوها كان مع ابي في محمكمة النقض، هو قاض وانا قاض، واسلوب معيشته قريب من اسلوب معيشتنا..
وهذا هو الركن الوثيق في صرح السعادة الزوجيه..ومن اجله شرط الفقهاء الكفاءة بين الزوجين..
والثالث: اني انتقيتها متعلمة تعليما عاديا، شيئا تستطيع به ان تقرأ وتكتب، وتمتاز عن العاميات الجاهلات، وقد استطاعت الان بعد مرور 13 سنة في صحبتي ان تكون على قدر من الفهم والادراك، وتذوق ماتقرا من الكتب والمجلات،لاتبلغها المتعلمات،وانا اعرفهن وكنت الى ماقبل سنتين القي دروسا في مدارس البنات على طالبات هن على ابواب البكا لوريا، فلا احد افهم منها وان كن احفظ لمسائل العلوم، يحفظن منها مالم تسمع هي باسمه..
ولست انفر الرجال من التزوج بالمتعلمات، ولكني اقر مع الاسف ان هذا التعليم الفاسد بمناهجه واوضاعه يسيء في الغالب اخلاق الفتاة واطباعها..وياخذ منها الكثير من مزاياها وفضائلها ولايعطيها الا قشورا ن العلم لاتنفعها في حياتها ولاتفيدها زوجا ولا اما.
والمرأة مهما بلغت لاتأمل من دهرها اكثر من ان تكون زوجة سعيدة..
الرابع: اني لا ابتغي الجمال واجعله هو الشرط اللازم، لعلمي ان الجمال ظل زائل لايذهب جمال الجميلة..ولكن يذهب شعورك به..وانتباهك عليه..لذلك نرى من الازاج من يترك امرأته الحسناء ويلحق من لسن على حظ من الجمال..
الخامس: ان صلتي باهل المرأة لم يجاوز الى الان، بعد مرور قرن من الزمان، الصلة الرسمية: الود والاحترام المتبادل، ولم اجد من اهلها مايجده الازواج من الاحماء من التدخل في شؤونهم، وفرض الراي عليهم، ولقد كنا نرضى ونسخط كما يرضى كل زوجين ويسخطان..فما تدخل احد منهم يوما في رضانا او سخطنا..
ولقد نظرت اليوم في اكثر من عشرين الف قضية خلاف زوجي، وصارت لي خبرة استطيع ان أوكد القول معها بانه لو ترك الزوجان المختلفان ولم تدخل بينهما احد لانتهت بالمصالحة ثلاثة ارباع القضايا..
السادس: اننا لم نجعل اول ايامنا عسلا، كما يصنع الكثير من الازواج، ثم يكون باقي العمر حنظلامرا و سما زعافا، بل اريتها من اول يوم اسوأ ماعندي..حتى اذا قبلت مضطرة به..وصبرت محتسبة عليه، عدت اريها من حسن خلقي..فصرنا كلما زادت حياتنا يوما زادت سعادتنا قيراطا
السابع: انها لم تدخل جهازا، وقد اشترطت هذا لاني رايت ان الجهاز من اوسع ابواب الخلاف بين الازواج
الثامن: اني تركت مالقيصر لقيصر، فلم اتدخل في شؤونها من ترتيب الدار وتربية الاولاد، وتركت هي لي ماهو لي، من الاشراف والتوجيه، وكثيرا مايكون سبب الخلاف لبس المرأة عمامة الرجل واخذها مكانه، او لبسه هو صدار المراة ومشاركتها الراي في طريقة كنس الدار، وتقطيع الباذنجان، ونمط تفصيل الثوب..
التاسع: اني لا اكتمها امرا ولا تكتمني..ولا اكذب عليها ولا تكذبني..اخبرها بحقيقة وضعي المالي..واخذها الى كل مكان اذهب اليه واخبرها به، وتخبرني بكل مكان تذهب هي اليه..وتعود اطفالنا الصدق والصراحة..واستنكار الكذب والاشمئزاز منه..ولست اطلب والله من الاخلاص والعقل والتدبير اكثر مما اجده عندها، فهي من النساء الشرقيات اللائي يعشن للبيت لا لانفسهن ، للرجل وللاولاد، تجوع لناكل نحن، وتسهر لننام، وتتعب لنستريح، وتفنى لنبقى..هي اول اهل الدار قياما..واخرهم مناما، لاتنى تنظف وتخيط وتسعى وتدبر، همها راحتي وسعادتي.
ان كنت اكتب او كنت نائما اسكتت الاولاد، وسكنت الدار، وابعدت عني كل منغص ومزعج..
تحب من احب، وتعادي من اعادي..وان كان حرص النساء على ارضاء الناس فقد كانت تحرص على ارضائي..وان كان مناهن حليه وكسوة فان مناها ان تكون لنا دار نستغني بها عن بيوت الكراء..تحب اهلي..ولاتفتأ تنقل لي كل خير عنهم..ان قصرت في بر احد منهم دفعتني، وان نسيت ذكرتني، حتى اني لاشتهي ان يكون بينها وبين اختي يوما خلاف كالذي يكون في بيوت الناس، اتسلى به فلا اجد الا الحب والود والاخلاص من الثنتين والوفاء من الجانبين..
انها النموذج الكامل للمرأة الشرقية التي لاتعرف في دنياها الا زوجها وبيتها..والتي يزهد بعض الشباب فيها..فيذهبون الا اوروبا وامريكا..ليجيئوا بالعلم فلا يجيئون الا بورقة في اليد وامرأة تحت الابط..امرأة يحملونها ويقطعون بها نصف محيط الارض ثم لايكون لها من الجمال ولا من الشرف ولامن الاخلاص مايجعلها تصلح خادمة للمرأة الشرقية..ولكنه فساد الاذواق وفقد العقول وتقليد الضعيف للقوي..ان نساءنا خير نساء الارض..واوفاهن للزوج..واحناهم على الولد..واشوفهن نفسا واطهرهن ذيلا.واكثرهن طاعة وقبولا لكل نصح نافع وتوجيه سديد
واني ماذكرت بعض الحق من مزايا زوجتي..الا لضرب المثل من نفسي على السعادة التي يلقاها زوج المرأة العربية المسلمة..


غفر الله لي ولك وله ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات

والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
الذين شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة
وللخلفاء الراشدين بالخلافة