1/16/2014 03:59:00 ص

مما راق لي فنقلته لكم : ( يرحمك الله أبا محمد ، فإن عزّت حياتك لقد هَدَتْ وفاتك ، ولنعم الروحُ روحٌ تضمنه بدنك ، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك ، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان ، وطبت حيّاً وميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك ، رحمك الله ) رضي الله عن القائل وعن من قيلت فيه وعن والديهما

الحسن بن علي بن أبي طالب
سيد شباب الجنة

" اللهم ! إني أحبُّه
فأحبَّه وأحبِبْ من يُحبُّه "
رواه البخاري ومسلم  

 هـــــو

الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد ، ولدته فاطمة في المدينة

سنة ( 3هـ ) ، وهو أكبـر أبنائها ، كان عاقلاً حليماً محباً للخير

وكان أشبه أهل النبي بجده النبي -صلى الله عليه وسلم-

كرم النسب
قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف 
( من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّة وخالاً وخالةً وعمّاً وعمّةً )
 فقام النعمان بن عجلان الزُّرَقيّ فأخذ بيد الحسن فقال :
( هذا ! أبوه عليّ ، وأمّه فاطمة ، وجدّه الرسول -صلى الله عليه وسلم-
 وجدته خديجة ، وعمّه جعفر ، وعمّته أم هانىء بنت أبي طالب
 وخاله القاسم ، وخالته زينب )
 فقال عمرو بن العاص :
( أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت ؟)
قال ابن العجلان :
 ( يا بن العاص أمَا علمتَ أنه من التمس رضا مخلوق بسخط الخالق
 حرمه الله أمنيّته ، وختم له بالشقاء في آخر عمره ، بنو هاشم أنضر
 قريش عوداً وأقعدها سَلَفاً ، وأفضل أحلاماً )
حـب الرسول له
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحسن على عاتقه 
( اللهـم إني أحـبُّ حسنـاً فأحبَّـه ، وأحِـبَّ مَـنْ يُحبُّـه )
 وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي
 فإذا سجد وثب الحسنُ على ظهره وعلى عنقه
 فيرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفعاً رفيقاً لئلا يصرع
 قالوا ( يا رسول الله ، رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد )
قال ( إنه ريحانتي من الدنيا ، وإن ابني هذا سيّد
 وعسى الله أن يصلح به بين فئتيـن عظيمتيـن ) صححه االألباني

أزواجه
كان الحسن -رضي الله عنه- قد أحصن بسبعين امرأة ، وكان الحسن قلّما تفارقه
أربع حرائر ، فكان صاحب ضرائر ، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري
وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم ، فطلقهما ، وبعث إلى كلِّ واحدة منهما
بعشرة آلاف وزقاقٍ من عسل متعة ، وقال لرسوله يسار بن أبي سعيد بن يسار
وهو مولاه ( احفظ ما تقولان لك ) فقالت الفزارية ( بارك الله فيه وجزاه
خيراً )وقالت الأسدية ( متاع قليل من حبيب مفارقٍ ) فرجع فأخبره ،
فراجع الأسدية وترك الفزارية 
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال عليُّ ( يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا الحسن بن عليّ ، فإنه مطلاق ) فقال رجل من همدان ( والله لنزوِّجَنَّهُ ، فما رضي أمسك ، وما كره طلّق )
فـضـــله
قال معاوية لرجل من أهل المدينة ( أخبرني عن الحسن بن علي ) قال ( يا
أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند
ظهره ، فلا يبقى في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل له شرف إلاّ
أتاه ، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ، ثم ينهض فيأتي أمهات
المؤمنين فيُسلّم عليهن ، فربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله ، ثم يروح
فيصنع مثل ذلك ) فقال ( ما نحن معه في شيء )

كان الحسن -رضي الله عنه- ماراً في بعض حيطان المدينة ، فرأى أسود بيده
رغيف ، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة ، إلى أن شاطره الرغيف ، فقال له
الحسـن ( ما حَمَلك على أن شاطرتـه ؟ فلم يعاينه فيه بشـيء ) قال (
استحت عيناي من عينيه أن أعاينـه ) أي استحياءً من الحسـن ، فقال له (
غلام من أنت ؟) قال ( غلام أبان بن عثمان ) فقال ( والحائط ؟)أي
البستان ، فقال ( لأبان بن عثمان ) فقال له الحسن ( أقسمتُ عليك لا
برحتَ حتى أعود إليك ) فمرّ فاشترى الغلام والحائط ، وجاء الى الغلام
فقال ( يا غلام ! قد اشتريتك ؟) فقام قائماً فقال ( السمع والطاعة لله
ولرسوله ولك يا مولاي ) قال ( وقد اشتريت الحائط ، وأنت حرٌ لوجه الله ،
والحائط هبة مني إليك ) فقال الغلام ( يا مولاي قد وهبت الحائط للذي
وهبتني له )

حـكـمته
قيل للحسن بن علي ( إن أبا ذرّ يقول الفقرُ أحبُّ إلي من الغنى ، والسقم أحبُّ إليّ من الصحة ) فقال ( رحِمَ الله أبا ذر ، أما أنا فأقول ( من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له ، وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما
تصرّف به القضاء )

قال معاوية للحسن بن عليّ ( ما المروءة يا أبا محمد ؟) قال ( فقه الرجل في دينه ، وإصلاح معيشته ، وحُسْنُ مخالَقَتِهِ )

دعا الحسنُ بن عليّ بنيه وبني أخيه فقال 
( يا بنيّ وبني أخي ، إنكم صغارُ قومٍ يوشك أن تكونوا كبارَ آخرين ،
فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه ، فليكتبهُ وليضعه
في بيته )

عام الجماعة
بايع أهل العراق الحسن -رضي الله عنه- بالخلافة بعد مقتل أبيه سنة ( 40هـ
) ، وأشاروا عليه بالمسير الى الشام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان ، فزحف
بمن معه ، وتقارب الجيشان في موضع يقال له ( مسكن ) بناحية الأنبار ، ولم
يستشعر الحسن الثقة بمن معه ، وهاله أن يقْتتل المسلمون وتسيل دماؤهم ،
فكتب إلى معاوية يشترط شروطاً للصلح ، ورضي معاوية ، فخلع الحسن نفسه من
الخلافة وسلم الأمر لمعاوية في بيت المقدس سنة ( 41هـ ) وسمي هذا العام (
عام الجماعة ) لاجتماع كلمة المسلمين فيه ، وانصرف الحسن -رضي الله عنه-
الى المدينة حيث أقام


مـرضــه

قال عبد الله بن الحسين إن الحسن كان سُقِيَ ، ثم أفلتَ ، ثم سُقِيَ
فأفلتَ ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال الطبيب وهو
يختلف إليه ( هذا رجلٌ قد قطع السُّمُّ أمعاءه ) فقال الحسين ( يا أبا
محمد خبّرني من سقاك ؟) قال ( ولِمَ يا أخي ؟ ) قال ( اقتله ، والله
قبل أن أدفنـك ، أولا أقدرُ عليه ؟ أو يكون بأرضٍ أتكلّف الشخـوص إليه
؟) فقـال ( يا أخـي ، إنما هذه الدنيا ليالٍ فانية ، دَعْهُ حتى ألتقـي
أنا وهو عنـد الله ) فأبى أن يُسمّيَهُ  )

بكـــاؤه
لمّا أن حَضَرَ الحسن بن علي الموتُ بكى بكاءً شديداً ، فقال له الحسين (
ما يبكيك يا أخي ؟ وإنّما تَقْدُمُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،
وعلى عليّ وفاطمة وخديجة ، وهم وُلِدوك ، وقد أجرى الله لك على لسان النبي
-صلى الله عليه سلم- ( أنك سيّدُ شباب أهل الجنة ) وقاسمت الله مالَكَ
ثلاث مرات ، ومشيتَ الى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرّةً
حاجّاً) وإنما أراد أن يُطيّب نفسه ، فوالله ما زاده إلا بكاءً
وانتحاباً ، وقال ( يا أخي إني أقدِمُ على أمرٍ عظيم مهول ، لم أقدم على
مثله قط )

وفاته
توفي الحسن -رضي الله عنه- في سنة ( 50هـ ) ، وقد دُفِنَ في البقيع ،
وبكاه الناس سبعة أيام نساءً وصبياناً ورجالاً ، رضي الله عنه
وأرضاه وقد وقف على قبره أخوه محمد بن عليّ وقال ( يرحمك الله أبا محمد
، فإن عزّت حياتك لقد هَدَتْ وفاتك ، ولنعم الروحُ روحٌ تضمنه بدنك ،
ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك ، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى ، وحليف
أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام
ورضعت ثدي الإيمان ، وطبت حيّاً وميتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك
فلا نشك في الخيرة لك ، رحمك الله )

غفر الله لي ولك ولوالدينا
ولجميع المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
الذين شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة
وللخلفاء الراشدين بالخلافة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق