1/10/2014 04:25:00 ص

كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكنِّيه أبا المساكين . فمن هو....

خاطبه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا فقال:
 ((أشْبَهْتَ خَلْقي وخُلُقي))؛ أخرجه البخاريُّ .

يقول أبو نُعَيْم الأصبهاني في وصفه :
الخطيب المقدام، السخيِّ المطعام، خطيب العارفين، ومضيف المساكين، ومهاجر المهاجَرتَين، ومصلِّي القِبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشَّعشاع ..."
إنه جعفر بن أبي طالب - رضيَ الله عنه وأرضاه. تقدَّم إسلامه جدًّا، حتى إنه يُقَدَّم في أوائل مَنْ أسلموا، وهاجر إلى الحبشة فرارًا بدينه، اختاره المسلمون المهاجرون إلى الحبشة ليكون المتحدث عنهم أمام النجاشي....
عند ما طلب منهم المثول بين يدية ليرى رايه فيهم ويرد على مندوبي  كفار قريش اللذين قلا أيها الملك: إنه قد ضَوَى إلى بلدكَ منَّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكَ، وجاؤوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت. وقد بعثَنَا إليكَ منهم أشرافُ قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.
                                      فقالت بطارقته حوله :
 صِدْقًا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم؛ فأسلمهم إليهما، فلْيَردَّاهُم إلى بلادهم وقومهم.
فغضب النجاشيُّ ثم قال: لاها الله - أي لا والله - إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد، قومٌ جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على مَنْ سوايَ! حتى أدعوهم؛ فأسألهم عمَّا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتُّهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك؛ منعتهم منهما، وأحسنتُ جوارهم ما جاوروني.
 ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؛ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ.

فلما جاؤوا - وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحدٍ من هذه الملل؟  فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له:
أيها الملك! كنَّا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل المَيْتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منَّا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نَسَبَه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا منَ الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة.
 فعدَّد عليه أمور الإسلام؛ فصدَّقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به منَ الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا وأحللنا ما أحلَّ لنا. فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلَّ الخبائث. فلما قهرونا وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلادكَ، واخترناكَ على مَنْ سواك، ورغِبنا في جواركَ. رجونا أن لا نظلم عندكَ أيها الملك.  
 فقال النجاشيُّ:
هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه، قالت: فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} [مريم: 1].  فبكى  النجاشيُّ حتى اخضلَّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أَخْضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم.
ثم قال النجاشيُّ:
 إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مِشكاةٍ واحدة. انطلِقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون.
فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينَّه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم، والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبدٌ. قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا؛ فأرسلْ إليهم فسَلْهُم عمَّا يقولون فيه. قالت: فأرسلَ إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها قط؛ فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله، وما جاءنا به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ.


 فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟
 فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو عبد الله ورسوله، ورُوحه وكلمته، ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول.
 فضرب النجاشيُّ بيده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ هذا العُودَ.
 فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال؛ فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - أي آمنون - من سباكم غَرِمَ - قالها ثلاثًا - ما أحبُّ أن لي دَبْرًا من ذهب، وأني آذيتُ رجلاً منكم.
وفي روايةٍ قال: مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشَّر به عيسى بن مريم؛ انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من المُلْك؛ لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه.

وبقي جعفر مع مَنْ بقيَ منَ المسلمين في الحبشة، فلما ظهر الإسلام، وكان عام فتح خيبر - هاجر جعفرُ ومَنْ معه من الحبشة إلى المدينة، فلمَّا رجع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من خيبر تلقَّاه جعفرُ، فالتزمه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقبَّل بين عينيه وقال: ((ما أدري بأيِّهما أنا أفرحُ، بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر)). أخرجه الحاكم مرسلاً صحيحًا
وعلى الرغم من أن جعفرًا كان من أعلام الجهاد، آتاه الله قوةً في لسانه فلا يُحاجّ، مع قوته وثباته في القتال؛ فإنه كان متواضعًا طائعًا لله ورسوله.
لما جهَّز رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيش مؤتة، جعل أميرهم مولاه زيد بن حارثة، ثم جعفرًا، ثم ابنَ رواحة، فلم يغضب من ذلك جعفر؛ بل وثب وقال لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "بأبي أنت وأمي! ما كنت أرهب أن تستعمل زيدًا عليَّ"
وانطلق جيش مؤتة، وقاتل المسلمون الرومَ حتى قُتل زيدٌ، فاستلم إمارة الجيش جعفر، فقاتل قتالاً مريرًا حتى قُتل، ثم عقبه ابنُ رواحة.
قال من رأى جعفرًا يوم مؤتة: "لكأنِّي أنظر إلى جعفر يوم مؤتة، حين اقتحم عن فرسٍ له شقـراء، فعقرها، ثم قاتل حتى قُتل"، قال ابن إسحاق: "وهو أوَّل مَنْ عَقَرَ في الإسلام".
قاتل - رضيَ الله عنه - حتى قُتل، لم يفرّ من كثرة العدد، ولم يرهب قوة العدو؛ بل كان ثابتًا مقدامًا.
أتدرون كم كانت جراحه - رضيَ الله عنه -؟
جاءت في أخبارٍ لولا ثبوتها في صحيح البخاري وغيره لما كانت تُصدَّق!
روى البخاريُّ، عن ابن عمر - رضيَ الله عنهما -: "أنه وقف على جعفر يومئذ وقد قُتل. قال: فعددت به خمسينَ، بين طعنةٍ وضربةٍ، ليس منها شيءٌ في دُبُره. يعني: في ظهره
وفي البخاريِّ أيضًا عن ابن عمر: "ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعينَ، من طعنةٍ ورميةٍ"
وجاء في حديثٍ آخَر عند الحاكم وغيره: "أنَّه أخذ اللِّواء بيده اليمنى فقُطعت، ثم باليسرى فقُطعت، فعوَّضه الله عنهما بجناحَيْن يطير بهما في الجنة"
وفي الطَّبراني بإسنادٍ حسن، من حديث عبدالله بن جعفر قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هنيئًا لك يا عبدالله بن جعفر؛ أبوك يطير مع الملائكة في السماء))!.


وعند التِّرْمِذِي، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث أبي هريرة - رضيَ الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رأيتُ جعفرًا يطير في الجنة مع الملائكة)).
وفي صحيح البخاري: "أن ابن عمر كان إذا سلَّم على عبدالله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين".
وقد حزن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جعفر. قالت عائشةُ - رضيَ الله عنها -: "لما جاءت وفاة جعفر؛ عرفنا في وجه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحزن".
وعن عبدالله بن جعفر قال: "جاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ثلاثٍ من موت جعفر فقال: ((لا تبكوا على أخي بعد اليوم، وادعوا لي الحلاَّق))؛ فجيء بالحلاَّق، فحَلَقَ رؤوسنا. ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام مداعبًا: ((أمَّا محمَّدٌ فشَبِيهُ عمِّنا أبي طالب، وأمَّا عبدالله فشَبِيه خَلْقي وخُلُقي)). قال عبدالله: ثم أخذ بيدي، فأشالها وقال: ((اللهم اخلفْ جعفرًا في أهله، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه)). قالها ثلاثًا. قال عبدالله: وجاءت أمُّنا فذكرت له يُتْمَنَا، وجعلت تُفرِح له، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العَيْلَة تخافين عليهم وأنا وَلِيُّهم في الدنيا والآخرة؟!)).

كان جوادًا كريمًا، محبًّا للضعفاء والمساكين
 قال أبو هُرَيْرَة - رضيَ الله عنه -: "إن كنت لألْصِقُ بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنتُ لاستقرئ الرجل الآية وهي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخْيَرُ الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا، فيطعمنا ما كان في بيته؛ حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيءٌ؛ فنشقُّها، فنَلْعَقُ ما فيها"

غفر الله لي ولك ولوالدينا
ولجميع المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
الذين شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة
وللخلفاء الراشدين بالخلافة






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق