1/22/2014 03:42:00 ص

،،، دار الندوة في الجاهلية والإسلام

دار الندوة في الجاهلية والإسلام
"دارسة تاريخية حضارية "


الندوة من ندا، يندو ندواً ومنها ( ندوت) أي اجتمعت مع ، ومنها الندِىّ، وهو الاجتماع في المجلس. ومنه جاء لفظ ( الندوة ) أي النادي بمعنى المجلس والمشاورة والجماعة . وأطلق الاسم على دار بعينها في مكة لاجتماع قريش فيها،  وقيل إن الاسم مشتق من المناداة (أي المفاخرة) ومنه جاء اسم ( دار الندوة )، أي للمفاخرة.


- إنشاء دار الندوة :
أنشأ دار الندوة قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، ولم يكن اسمه قصياً، بل زيداً، وسمي قصياً بعد ذلك لأنه قُصّي عن قومه، حيث عاش في بني عذره، على أطرف بلاد الشام، بعيداً عن قومه.
 
وفي مكة المكرمة تزوج قصي من حبى بنت حليل بن حبشية الخزاعي، فأنجبت له عدداً من الأولاد الذكور، وكثر مال قصي وعظم شرفه، فلما توفى حليل، وكان يلي أمر مكة المكرمة، عمل قصي على انتزاع ولاية مكة والكعبة من خزاعة، معتبراً نفسه أولى منهم في ذلك.
أبت خزاعة على قصي أن يلي أمر البيت، فاستعان بقومه قريش، وببني عذرة قوم أخيه من أمه رزاح بن ربيعة بن حرام، إذ بعث إليه قصي يستنصره، فلبى دعوته وآزره على خزاعة.
بنى قصي دار الندوة، وجعل بابها إلى الكعبة،  وكان ذلك في منتصف القرن الخامس الميلادي، أي قبل ما يقارب مائة وخمسين عاماً من الهجرة النبوية الشريفة.
دار الندوة هي أول دار بنيت بمكة المكرمة، على حد قول الأخباريين، ولم يكن قبلها بناء سوى الكعبة المعظمة،  وكان سكان مكة قبل ذلك يدخلونها نهاراً ويخرجون منها ليلاً تعظيماً للبيت وشأنه.  وهناك روايات أخرى ..........

- دار الندوة قبل الإسلام :
اتخذ قصي بن كلاب دار الندوة مقراً لسكناه وإقامته.  وفي ذات الوقت رسخ من خلالها سياسات وأساليب تدار من خلالها شؤون القبيلة ومكة المكرمة. وكانت معظم الشؤون العامة الداخلية والخارجية تناقش في هذه الدار.   ذكرت أن من ضمن ذلك الإعداد للحروب التي تخوضها قريش. ومــن أبــرز هذه الحـــروب: ( ذات نكيف )،  (والفجار)،( وبدر الكبرى ).
وجعل القرشيون من دار الندوة مكاناً لعقد بعض أحلافهم، ففيها حالف عبدالمطلب خزاعه،  وفيها حضر الرسول صلى الله عليه وسلم عقد حلف الفضول. ومن دار الندوة كانت تنطلق قوافل قريش التجارية وإليها تعود،  مما يرجح أنها كانت مكاناً لعقد الصفقات التجارية.
لم تقتصر تنظيمات دار الندوة على الشؤون العامة الكبرى والجوانب السياسية والاقتصادية، وإنما تجاوزت ذلك لتمارس فيها بعض مظاهر الحياة الاجتماعية. ففيها كان يعقد زواج القرشي والقرشية، ويعذر (يختن) فيها من بلغ من صبيانهم، وإذا حاضت الجارية جيئ بها إلى دار الندوة فيشق عليها درعها وتعود إلى أهلها فيحجبوها.  وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة معتمراً سنة (7هـ/628م) اجتمع بعض سكان مكة المكرمة في دار الندوة للنظر إليه وإلى أصحابه، وهم يطوفون

- دار الندوة في العصر الإسلامي :
بعد أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وفشا الإسلام في سكانها، أخذ الكثير من عادات ورسوم الجاهلية بالاختفاء أو التغيير، ومن ضمنها أنماط الحكم فيها، فلم تعد تحكم من قبل الملأ وأهل المشورة، وإنما عين عليها الرسول صلى الله عليه وسلم أميراً يتبع سلطته بالمدينة المنورة، والتي أضحى أمر المشورة منوطاً بها فقط.  ولم يبق من الرسوم والأعراف التي أنشأها قصي سوى الحجابة والسقاية والرفادة.  وبالتالي انتهت رسوم دار الندوة وأعرافها الاجتماعية، ولم يعد لها ذكرّ في المصادر التاريخية. بل إن هناك روايات تاريخية تذكر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ مفاتيحها مع مفاتيح الكعبة من بني عبدالدار. ويبدوا أنه أعـادها عندما أعاد إليهم
مفاتيح الكعبة.  فبقيـت في أيديهم إلى أن باعوها بعد ذلك كما هو موضـح لاحقا،ً بيد أن ذلك لم يحل دون أن تصبح مهملة لا دور لها في حياة المكيين ، خلال ما بقى من عصر النبوة، وفي عصر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذى جاء إلى مكة سنـــة (12هـ /633م) وجلس للحكم بين الناس في فناء الحرم قريباً من دار الندوة، ولم يدخلها.
أخذ الاهتمام بدار الندوة يعود من جديد في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، حيث أقام فيها في إحدى زياراته لمكة المكرمة يستقرب المسجد الحرام.  وبذلك وضع الأسس الأولى لوظائف دار الندوة بعد ذلك - رغم أن ذكرها ينقطع في عهدي عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما– فأصبحت مقراً لإقامة الخلفاء إذا ما قدموا إلى مكة المكرمة، وهذه هي الوظيفة التي أضحت تقوم بها منذ بداية العصر الأموي. إذ اتخذها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مقراً لإقامته بمكة المكرمة.
لإثبات هذه الصفة لدار الندوة، قام معاوية بشرائها من ابن الرهين العبدري  بمائة ألف درهم. وفي روايات أخرى أن الذي باعها حكيم بن حزام بن خويلد الأسدي، أو انه عكرمة بن عامر (وقيل عمار) بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار.  ويبدو أن شراءها كان في سنـة (44هـ /664م) عندما جاء معاوية إلى مكة المكرمة حاجاً.
استمرت دار الندوة بعد معاوية بن أبي سفيان مقراً لخلفاء بني أمية، ينزلونها إذا ما قدموا مكة المكرمة.  أما عبدالله بن الزبير فجعلها مسكنه الدائم خلال فترة خلافته التي اتخذ فيها مكة المكرمة عاصمة لدولته. كما يشير بذلك النجم بن فهد، في ثنايا حديثه عن عمارته للكعبة المشرفة سنة (64هـ / 683م)، فذكر أنه وضع الحجر الأسود في ديباجة داخل صندوق مقفل "... عنده في دار الندوة..."
عندما ولى العباسيون الخلافة، أبقوا على رسوم دار الندوة كما كانت في العصر الأموي. وكانوا ينزلون بها كلما قدموا إلى مكة المكرمة. ففي سنة (144هـ/761م)، حج بالناس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وأقام في دار الندوة، فكان يخرج منها في آخر الليل ليطوف بالبيت ويصلي إلى الفجر ثم يعود إليها دون أن يعلم به أحد.  كذلك نزل بها الخليفة المهدي في حجته سنة (160هـ / 776م)، (69) بل إنه مكث بها بضعة أشهر في سنة (166هـ /782م) حيث قدم إلى مكة في شهر رمضان معتمراً، وأقام بدار الندوة إلى أن قضى نسك حجه في تلك السنة، ثم قفل راجعاً إلى عاصمة ملكه بغداد.  واستمرت هذه الدار تستقبل الخلفاء من بعد المهدي، حيث نزلها الخليفة موسى الهادي، ومن بعده هارون الرشيد شطراً من خلافته لم تحدده المصادر التاريخية، ثم اشترى داراً أخرى يقيم بها إذا قدم مكة المكرمة، فهجرت على إثر ذلك دار الندوة.
كما سبق ذكره، فإن هارون الرشيد استبدل دار الندوة بأخرى، هي دار بني خلف الخزاعيين. ولا تقدم المصادر تفاصيل عن حادثة الشراء هذه من حيث القيمة والتاريخ وغير ذلك. وقد تأثرت وظيفة دار الندوة تبعاً لهذا الاستبدال، فأضحى جزءاً منها يكرى للغرباء والمجاورين، واتخذ الجزء الآخر مربضاً لدواب ولاة مكة المكرمة. ثم سكنها بعد ذلك عبيد ولاة مكة من السودان وغيرهم.  ويبدو أن هذا الوضع استمر في دار الندوة حتى عهد الخليفة العباسي المأمون .
 نهاية دار الندوة :
يتضح مما سبق أن المطاف انتهى بدار الندوة لتتحول إلى موضع يتوضأ فيه الحجاج، ومرمى للقمائم والقاذورات، بل ترتب على هذا الاهمال أن امتد الخراب إلى معظمها وانهدمت أجزاء منها. وطال ضررها المسجد الحرام، فإذا جاء المطر سال الماء منها حتى يدخل من بابها المطل على المسجد الحرام، محملاً بما فيها من الأوساخ والقمائم. فيتأذى منها المسجد وجيرانه ومرتادوه من العمّار والحجاج.
وفي سنة (281هـ / 894م) استعمل على بريد مكة رجل من أهلها وصفته المصادر بأنه ذو فطنة، وحسبه على علم بأحوال المسجد الحرام ومكة المكرمة، دون أن تُعرّف به على الاطلاق. فكتب إلى عبيد الله بن سليمان  وزير الخليفة المعتضد العباسي،  يشرح له ما آل إليه حال دار الندوة، ويوصى بأن تضم للمسجد الحرام توسعة له ومرفقاً للحجاج، مبيناً أن أجر ذلك سيكون عظيماً، وأنها مكرمة لم تتهيأ لأحد من الخلفاء من بعد الخليفة المهدي العباسي. كما بين أن بالحرم
خراباً كثيراً يحتاج إلى إصلاح، وطلب أيضاً من أمير مكة عج بن حاج،  ومن قاضيها محمد بن المقدومى ،  أن يكتبا بمثل ما كتب. فعرضت المكاتبات على الخليفة، فأمر بانفاذ ذلك، وخصص ما يحتاجه من الأموال التي حملت إلى قاضي بغداد يوسف بن يعقوب،  فأنفذ بعضها إلى مكة سفاتج، وأنفذ البعض الآخر مع ابنه عبدالله عند ذهابه للحج، الذي اصطحب فيه معه رجلاً من بني أسد بن خزيمه يدعى أبا الهياج عمير – وقيل عميره – ابن حيان الأسدي - لعله كان معماراً - وتصفه المصادر بأن له "... أمانة ونيه حسنة ..." وعندما غادر عبدالله بن يوسف مكة إلى بغداد ترك مع أبي الهياج أعواناً وعمالاً، يبدو أنه أشرف على اختيارهم دون أن تحدد المصادر هل هم من مكة أم من خارجها؟
شرع هؤلاء في عمل التوسعة، فنظفوا المكان وأزالوا دار الندوة، وأنشأوا في موضعها مسجداً بأساطين وطاقات وأروقة مسقفة بالساج المزخرف والمذهب، ووصلت بالمسجد الكبير من خلال اثني عشر باباً، نصفها كبير وفتحاتها متسعة، والأخرى صغيرة قلية الاتساع.  وتم الفراغ من هذه الأعمال في ثلاث سنوات،  أي في سنة (284هـ / 897م).

مختصر من بحث للدكتور
 عدنان بن محمد بن فايز الحارثي
المملكة العـربـية السعـودية

غفر الله لي ولك ولوالدينا
ولجميع المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
الذين شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة
وللخلفاء الراشدين بالخلافة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق